خواطر هُدى
مرحباً بكم في خواطر هُدى – مساحة ساكنة، تنعكس فيها الحياة على هيئة كلمات!
هنا أشارك كلمات وتجارب من حياتي، ومن عملي اليومي.
إنها خواطر عن الحضور،
عن النمو والتغير،
وعن أن نحيا حياة ذات معنى… متصلة بالله.
أكتب لأنني أؤمن أن في قصص الآخرين مرايا لما فينا،
وربما… نجد فيها طريقاً إلى بيوتنا الداخلية.
“خواطر هُدى”… هي لما يمرّ في القلب ويتردد في الذهن.
هذا المكان ليس مدونة،
بل هو لحظة سكون،
مساحة للتأمل، والإيمان، والتحول.
لعلّك تجد هنا ما يلامسك، ويذكّرك بمن تكون حقّاً.
الخواطر:

حلم حليمة
كتبت هذه الخاطرة بعد رحلة hiking في جبال النمسا،
سافرتُ إليها بنيّة أن أترك كل شيء خلفي…
لأصغي إلى ما بداخلي، وأفهم كيف أُكمل طريقي – في الحياة، وفي الكتابة.
وفي تلك الرحلة، رافقتني “حليمة” – بطلة روايتي المكتوبة باللغة الدنماركية.
هذه الكلمات ليست من الرواية،
ولكن تأملات كتبتها بعد التجربة، وأحببت أن أشاركها هنا.
في بنت اسمها حليمة،
ساكنة جُواتي من سنين.
كانت زمان بتحلم ببراءة، بتحكي بجرئة، وواقفِة بثبات…
بس الحياة أخدتها عالسريع،
وَخَلتها تكبر قبل وقتها.
من ١٨ سنة،
كان قلبها بيشدّها لمكان،
وعقلها بيرجّعها لمكان تاني.
كانت بدها تختار طريقها،
بس الطريق كان ضباب، وهي كانت لحالها.
واليوم؟
أنا رجعتلها،
وكتبت إلها — وعنها.
هذا النص…
هو لقاء، بين اللي كنت، واللي صرت.

حليمة،
حقّقتلك حلمك!
ما انتبهت… إلا لما كتبت التاريخ:
مرقوا تقريباً ١٨ سنة.
١٨ سنة.
كل عمرك… ونص عمري.
كأني شفتنا واقفين قداّم بعض:
أنا الكبيرة اللي عاشت،
وإنتِ الصبية اللي بدها تعيش.
مش وداع.
بس لحظة سكون،
لقاء،
فصل،
نهاية… وبداية جديدة.
أنا اليوم ما عدت إنتِ.
بس هلق؟
بدي ياكي تيجي معي.
لإنك بتستاهلي تكوني هون.
مش كشي لازم أنساه،
بس كصوت… كذكرى… كقصة لازم تنحكى.
أنا – الكبيرة فينا – رجعت لعالمك.
عالم مليان أحلام كبيرة،
حب، براءة، وعي عميق، وأفكار طفولية…
بس كلها كانت صادقة.
وطول عمرك،
كان عندك يقين جوّاتك إنك رح توصلي،
حتى لو كل شي حواليك كان بيقول:
“إنتِ عم تحلمي!”
وإنتِ… هلّق هناك.
مش على قمة جبل جليدي زي ما كنتِ بدك،
بس على قمة جبل…
٢٠٨٠ متر فوق سطح البحر!
بالضبط زي ما رسمتي الصورة بخيالك.
حواليك جبال من كل جهة.
وقاعدة على سجادة صلاة.
آه… بس بتعرفي شو؟
إنتِ مش لحالك!
حواليك،
ناس بيشبهوك.
ناس حتى أحلامك الكبيرة ما كانت تتخيل إنهم موجودين.
وربنا؟
عوضك،
وعطاكِ أكتر مما طلبتي…
وأكتر من اللي كنتي تجرئي تحلمي فيه.

بالطريق:
كنت حاملة قصتك على ظهري.
سألوني عنك،
وبلّشت أحكي…
وصارت القصة تقيلة،
زي الغيوم فوق رؤوسنا.
تعبت من الحمل،
حملك، وحملي.
نفسي ضاق.
استثقلت من حالي…
٣ مرات حاولت انسحب.
قلتلهم: “كملوا، أنا بستنى هون”.
بس ما تركوني.
٣ مرات…
أشرولي بإيديهم على القمة.
٣ مرات،
ذكّروني بالحلم.
ولإنّهم بشبهوني…
ذكّروني…
إني مش لحالي.
إنو احنا مش لحالنا!
إنه ربنا معنا — وهو اللي حاملنا.
وظلّوا مرافقيني.
بكل لطف.
من دون ما يحكوا، كانوا يقولولي:
الدنيا… زي هالرحلة،
بدها سعي.
والحلم؟
بدّه حركة.
والجواب؟
ما رح ييجي بالقعدة لحالك،
وإنت عم بشوفي غيرك مكمّل.
“خطوة وراها خطوة،
نفس عميق…
إحنا على الطريق.”

وطلعا لفوق …
مش بقوتنا.
بس بسند من ربنا.
وإنتِ… كمان وصلتي.
شمس.
مطر.
ثلج.
هوا.
طبيعة “شوي” مخيفة وجو غريب…
بس الوجوه كانت مألوفة،
والأصوات مريحة ومعروفة.
قعدت على سجادة صلاة،
اشتريتها من الأرض اللي كانت أحلامك تروح عليها… وترجع.
ومعي مسبحة –
هدية من عيلتي،
مش بالدم… بس بالرّوح.
عيلتك،
اللي كنتي بدوري على آثارها من سنين.
بشبهوك.
وكانت هاي،
اللحظة اللي أجيت علشانها.
تركت كل شي وراي:
ألقابي اللي ما عارفة افعلها،
وأدواري اللي ما عاد عرفت ألاقي نفسي فيها،
قلبي الموجوع،
عقلي اللي ما بيوقف دقيقة،
نفسي اللوّامة،
وروحي اللي كل همّها… تسكن.
كأنّي قدام بوابة،
مش عم بطلب…
بس عم بسلّم.
نفسي، جسدي، قلبي، عقلي، وروحي،
كليّ لله.

صوّروني صورة تذكارية.
وإنتِ طلعتي فيها.
كنت ماسكة كتابك بإيدي.
قصتك، صوتك، هويتك.
ما بعرف ليش طلّعته من الشنطة بسرعة.
ولما شفته بالصورة بعدين؟
أول شي خطرلي:
أمحيه!
جربت.
فتحت برامج تعديل.
حاولت أشيله.
اكتشفت إني مش بس عم بحاول امحي كتاب،
كنت عم بحاول امحي حروف انطبعت على ورق،
وأدوّر على طريقة أتهرب فيها من قدر…
قلبي؟
كان بينه وبين الله راضي،
بس مش قادر
يشوف قدره بعيون الناس.
كنت عم بحاول أشيلك من الصورة،
من المشهد،
مني.
بس ما انمحيتي.
وما زبطت.
وبطّلت أحاول.
وكأنك كنتِ تقولي:
“أنا الذاكرة اللي حاولتي تمحيها…
بس أنا الحقيقة.
ووجودي…
حقكّ.”
ويمكن كمان …
جزء مني خاف،
مش بس من القصة،
من مكانها!
خليت خوف السنين ياخد مساحته:
خفت روايتك تاخد مساحة أكبر من حجمها.
خفت…
لما شفتها بإيدي،
على سجادة الصلاة،
والمسبحة بإيدي التانية.
سألت حالي:
“شو بتعمل هون؟”
ما بدي أخلّي من قصتك شي أكبر من نيتك.
إنتِ مش قديّسة،
ولا لازم تكوني بطلة.
إنتِ تجربة،
غالية،
صادقة،
وبدي ياكي تكوني وسيلة،
حتى الطريق اللي أنا مشيته بألم،
يكون لغيري أهون،
وأقصر،
وأحلى.
وبالصورة كمان:
كان الهوا لافف طاقيتي.
المطر منقط على حجابي.
والثلج لسا على العشب الأخضر.
لحظة بين فصلين.
بين زمنين.
بين إنتِ… وأنا.

سألوني عن مشاعري لما وصلت.
ما عرفتش أجاوب.
لأنه اللي صار… ما كان جواب.
كان صورة بتنفتح جواتي،
كإنه وجهين من وجهي،
التقوا بلحظة وحدة، وشافوا بعض.
حليمة،
سامحيني.
سامحيني لأني خجلت منك.
سامحيني لأني وصفت قصتك بالساذجة،
العبيطة،
الطفولية.
سامحيني لأني كل مرّة كانوا يطلبوا مني أحكي عنك،
كنت أهمس لحالي:
“ليتني مت قبل هذا… وكنت نَسْياً منسيًا.”
بس هلقّ؟
لا!
بدي تكوني ذكرى أفتخر فيها.
وآخر إشي، حليمة…
بوعدك:
ما عاد أخُذلك عشان الناس.
ما عاد أستحي منك،
ولا أحس بالعار عشانهم.
ما عاد أقهر قلبك،
ولا أدفن قصتك،
ولا أدوّرلك على سبب علشان تختفي.
حليمة…
من ١٨ سنة، كنتي لسا قايلة “لا.”
“لا” لقرار من هوى القلب،
و” لا” لقرار من تحكم العقل.
كنتي بدك تطلعي عالى جبل بعيد،
وتقولي: “أنا باختار طريق الله”.
بس الطريق كان مستحيل.
وإنتِ…
كنتي لحالك.
ما قدرتي تختاري،
بس كنتي عارفة شو بدك.
ويعدها؟
جربني الطريقين.
مشيتي طريق العقل،
وجربتي طريق القلب،
وكل واحد فيهم وجّعك بطريقته.
والاثنين قالولك: “مش هون”.
بس إنتي؟
ما نسيتي.
ضليتي تدوري،
وكبرتي،
وتعلمتي.
واليوم؟
وصلنا.
وعارفة شو الفرق؟
هالمرة، مش حلم.
هاي حقيقة!
إنتِ مش لحالك.
وأنا معك.
وإحنا…
مش لحالنا.
اختارنا طريق الله،
معنا القلب… ما تشوّه، ولسّا بحب،
ومعنا العقل… بعد ما أدرك،
والنفس… بعد ما اطمأنت،
ومعنا الروح… بعد ما سكنت،
ومعنا ناس بيشبهونا،
ومعنا الله.
والمعنى الأكبر اللي كنتي تدوري عليه؟
هلّق… إنتِ جواته!
رح نمشي سوا، كأننا نراه.
ما عاد في خوف من الناس،
ولا خجل منهم.
ومن هلق كل شي،
من أجل الله،
وبالله،
ومع الله.

ونزلنا من الجبل.
ورجعت أكمّل أنا.
مش بس الطريق،
رجعت أكمّل الرسالة.
رح اكتب علشان،
أخاطب قلوب،
وأنور عقول.
وأبني جسور،
وعلشان يكون لي من اسمي… نصيب.
هدى…
أثر صغير،
على طريق كبير…
أساعد الناس بالطريق — لحتى نوصل…
هناك… على الجانب الآخر.
إحنا عملناها!
وطلعت الشمس،
والنزلة كانت سهلة.
البهجة عبت المكان.
ورجعت أحب الحياة…
زي ما هي،
زي ما ربنا عطاني ياها.
ورجعت أحب قدرَي،
وسامحت حالي،
وتجاوزت كمان اللي في الظاهر آذوني.
إحنا، الناس، الأخطاء،
التفاصيل… كلها،
لو ركّزنا شوي،
حنشوف إنها مش صدفة.
كل شي صار،
كان باب مفتوح… للهداية.
والحكاية؟
هي مش عنك، يا حليمة.
ولا عني.
هي عن شيء أكبر منك ومني.
وبالنهاية:
“منه البداية… وعنده النهاية.
وكله منه… وكله راجع إله”
١٤ مايو ٢٠٢٥
